اعلم ياعبد الله أن محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم وموالاتهم ليس منة ولا نافلة إنما هو سنة وفرض ودين
قال جل وعلا: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ.
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ
وعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ، فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ وَمَنْ آذَى اللهَ، فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ " خرجه أحمد وفي سنده ضعف
عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعْرِفَةُ فَضْلِهِمَا مِنَ السُّنَّةِ» أخرجه أبو القاسم هبة الله اللالكائي
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: " مَنْ جَهِلَ فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَدْ جَهِلَ السُّنَّةَ " أخرجه أبو القاسم هبة الله اللالكائي
وعن أَبَي زُرْعَةَ الرَّازِيَّ، قال: سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بْنَ عُتْبَةَ يَقُولُ: حُبُّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِّهِمْ سُنَّةٌ." أخرجه أبو القاسم هبة الله اللالكائي
عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ اللُّؤْلُؤِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: "حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ سُنَّةٌ؟ قَالَ: لَا، فَرِيضَةٌ" أخرجه أبو القاسم هبة الله اللالكائي
عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: " حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعْرِفَةُ فَضْلِهِمَا مِنَ السُّنَّةِ" أخرجه أبو القاسم هبة الله اللالكائي
عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَ السَّلَفُ يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ حُبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا يُعَلِّمُونَهم السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ" أخرجه أبو القاسم هبة الله اللالكائي
فالذين جاءوا بعد الصحابة من التابعين فمن بعدهم إلى يوم الناس هذا وكان حالهم أنهم يحبون أصحاب النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم ويدعون لهم بالمغفرة ويترضون عليهم رضي الله عنهم أنهم هم أيضا رضي الله عنهم قال جلا وعلا: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [التوبة: 100] أسأل الله تعالى أن نكون منهم . آمين.
وإذا كان الذين يحبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويعرفون قدرهم قد رضي الله عنهم فالذين لا يحبونهم ولا يقدرونهم حق قدرهم مغضوب مخوف عليهم ما لا شيء أعظم منه، لقوله عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29] إلى قوله {مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29]
فأخبر أنه جعلهم أي النبي وأصحابه غيظا للكافرين. ذكر هذا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس بن مرداس الإسماعيلي الجرجاني (المتوفى: 371هـ) في كتاب "اعتقاد أئمة الحديث" وقد صرح بذالك غير واحد من السلف رحمهم الله تعالى
فعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: لَوْ أُتِيتَ بِرَجُلٍ يَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا كُنْتَ صَانِعًا؟ قَالَ: أَضْرِبُ عُنُقَهُ. قُلْتُ: فَعُمَرَ؟ قَالَ: أَضْرِبُ عُنُقَهُ
وبَلَغَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَسْوَدِ يَنْتَقِصُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَهَمَّ بِقَتْلِهِ، فَقِيلَ لَهُ: تَقْتُلُ رَجُلًا يَدْعُو إِلَى حُبِّكُمْ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ فَقَالَ: لَا يُسَاكِنِّي فِي دَارٍ أَبَدًا
وتَحَوَّلَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَنْظَلَةُ، وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى قَرْقِيسِيَا، وَقَالُوا: لَا نُقِيمُ بِبَلَدٍ يُشْتَمُ فِيهِ عُثْمَانُ. خرج الثلاثة اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة
وخرج الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المري، الإلبيري المعروف بابن أبي زَمَنِين المالكي (المتوفى: 399هـ) في "أصول السنة" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ قَالَ: قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ: مَنْ أَحْسَنَ اَلثَّنَاءَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اَلنِّفَاقِ وَمَنْ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْهُمْ أَوْ يُبْغِضُهُ لِشَيْءٍ كَانَ مِنْهُ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَالسَّلَفِ اَلصَّالِحِ، وَالْخَوْفُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُرْفَعَ لَهُ عَمَلٌ إِلَى اَلسَّمَاءِ حَتَّى يُحِبَّهُمْ جَمِيعًا وَيَكُونَ قَلْبُهُ لَهُمْ سَلِيمًا.
وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ رَجُلٍ سَبَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَرَى أَنْ يُضْرَبَ، فَقُلْتُ لَهُ: حُدَّ، فَلَمْ يَقِفْ عَلَى الْحَدِّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُضْرَبُ، وَمَا أُرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ. خرج الجميع اللالكائي
وخرج ابن أبي زمنين واللالكائي عن مَعْنُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: مَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَيْءِ حَقٌّ؛ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الحشر: 8] الْآيَةَ. هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [ص:1345] هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} فَالْفَيْءُ
لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ فَمَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْفَيْءِ.
وقال القاضي عياض في الشفاء: قال مالك قَال: من غَاظَه أصْحَاب مُحَمَّد فَهُو كَافِر قَال اللَّه تَعَالَى (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ):
وقال أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري في "المجالسة" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُخْتَارِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ ــ وهو أبو نصر المروزي المشهور بالحافي أخذ العلم عن مالك وغيره ــ يَقُولُ: نَظَرْتُ فِي هَذَا الأَمْرِ؛ فَوَجَدْتُ لِجَمِيعِ النَّاسِ تَوْبَةً إِلا مَنْ تَنَاوَلَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَجَزَ عَنْهُمُ التَّوْبَةَ.